(الشكل -1) كواكب المجموعة الشمسية ومداراتها
ولقياس المسافات الفلكية الكبرى الفاصلة بين هذه المجرات تستخدم وحدة البارسك Parsec التي تعادل 3.26 سنة ضوئية أو 3.08×1310 كم.
والشمس مركز مجموعتنا. وتدور حولها مجموعة الكواكب آنفة الذكر والأرض هي الكوكب السيار الثالث من حيث البعد عن الشمس بعد كوكبي عطارد والزهرة، وتقدر المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس بنحو 149675000كم، وتعدّ الأرض أهم كواكب المجموعة الشمسية على الإِطلاق، وذلك لأنها الكوكب الوحيد المأهول كما هو معروف من دون أن يعني ذلك انعدام جميع أشكال الحياة على بعض الكواكب الأخرى على الأقل، الأمر الذي مازال مجهولاً وذلك من دون مقارنة هذه الحياة بالحياة الموجودة على كوكب الأرض.
إِن المسافة التي تفصل الأرض عن الشمس تعد مثالية تماماً، لأنها تسمح بوصول كميات من حرارة الشمس للحياة، إِذ إِن زيادة الحرارة عما يصل إِلينا من الشمس يؤدي إِلى تفكك كامل للمواد الكربوناتية التي تعد أساساً للمادة الحيّة على سطح الأرض. بالمقابل فإِن انخفاض كميات الحرارة هذه عن المعدل الذي يصل إِلى الأرض يؤدي إِلى تباطؤ التفاعلات الكيمياوية الذي ينعكس على إِم
كان تشكل الجزئيات المعقدة التي تكوّن المادة الحية. والطاقة التي تتلقاها الأرض من الشمس تقاس بكمية الحريرات /دقيقة/ سم2. ومجمل هذه الطاقة يقدر بنحو 1.94 حريرة /دقيقة/ سم2 .أما درجة الحرارة المتوسطة على سطح الكرة الأرضية فهي ناجمة عن الإِشعاع الشمسي الذي يمتصه سطح الأرض من جهة، وعن الأشعة تحت الحمراء التي تطلقها الأرض باتجاه الغلاف الغازي من جهة ثانية، ويقدر هذا المعدّل، أو درجة الحرارة المتوسطة هذه، بنحو +12ْ درجة مئوية.
وللأرض درع مؤلف من غلاف غازي هوائي يشكل طبقات
الجو المعروفة وهي من الأسفل إِلى الأعلى: التروبوسفير Troposphere والستراتوسفير Stratosphere والأيونوسفير Ionosphere.
تمتاز طبقة التروبوسفير بانخفاض درجات حرارتها كلما ازداد ارتفاعها لتصل إِلى –50ْ درجة مئوية فوق القطب، مقابل –85ْ درجة مئوية فوق خط الاستواء، وهي منطقة حدوث
الرياح والسحب والعواصف والأمطار وتشكلها. ويتباين ارتفاعها بشدة بحسب درجات العرض، إِذ يصل أقصى ارتفاع أو أقصى ثخانة لها فوق خط الاستواء إِلى 17كم مقابل 6كم فقط فوق المنطقة القطبية.
وتمتاز الستراتوسفير بارتفاع درجات الحرارة فيها بصورة تدريجية وبطيئة في البداية، ثم يتسارع هذا التزايد ليصل إِلى درجة صفر مئوية على ارتفاع 50كم. وهو الارتفاع الذي يشكل الحدود العليا لهذه الطبقة. ويعزى ارتفاع درجات الحرارة في هذه الطبقة إِلى كثافة غاز الأوزون أو الأكسجين الثقيل O3 الذي يشكل ما يعرف بطبقة الأوزونوسفير Ozonosphere. وتؤدي هذه الطبقة دوراً بالغ الأهمية، ذلك أنها تقوم بامتصاص قسم كبير من إِشعاعات الشمس فوق البنفسجية الضارة، أي إِنها تقوم بدور مصفاة تنقية لولاها لانعدم وجود الحياة على سطح الأرض، علماً أن سمك الأوزون نفسه لا يزيد على 3مم ضمن الطبقة البالغ سمكها بضعة كيلومترات. وبعبارة أخرى لو تعرض الأوزون الجوي إِلى ضغط جوي قدره 1013.2 ميليبار كالضغط عند مستوى سطح
البحر فإِنه يشكل طبقة تصل ثخانتها إِلى ثلاثة مليمترات.
أما طبقة الأيونوسفير فتقع حدودها العليا على ارتفاع يقدر بنحو 600كم. وهي طبقة تتزايد فيها درجات الحرارة لتصل حتى حدود 1500ْ درجة مئوية، وتتسم هذه الطبقة بسيادة التفاعلات الإِشعاعية والذرية الناجمة عن تأثير الأشعة فوق البنفسجية في جزيئات الغلاف الغازي وتبديدها لذراته في جميع الاتجاهات، مما يسبب وجود جو مكهرب في كامل محيط الأيونوسفير، فيصبح لامعاً مضيئاً. إِن هذه الطبقة تمتاز إِذن بأن هواءها متأين (متشرد) بشدة وبالتالي فإِن ناقليته الكهربائية مرتفعة للغاية.
(الشكل -2) البنية الداخلية للقمر، استناداً إلى المعطيات التي قدمتها رحلة أبوللو APOLLO
وللأرض تابع وحيد هو القمر الذي يدور حولها في مدار إِهليلجي يبتعد في أقرب نقاطه عن الأرض بنحو 356000كم مقابل 406000كم في أبعد نقاطه، وعلى هذا يصل متوسط المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر إِلى نحو 384400كم، أما كتلة القمر فإِنها تبلغ 1.23٪ من كتلة الأرض، ويصل متوسط كثافته إِلى نحو 3.37 أما من حيث البنية، فإِن القمر مكون من ثلاث طبقات متحلقة بعضها حول بعض هي: القشرة والوشاح والنواة (شكل2) وحركة القمر حول الأرض معقدة جداً لأن القمر يخضع لتأثير جاذبية الأرض والشمس ولجاذبية بقية الكواكب في وقت واحد، ويتم دورته حول نفسه كما يتم دورته حول الأرض في زمن واحد، وتصل مدة الدوران هذه إِلى 27 يوماً و7 ساعات و43 دقيقة و11 ثانية, وهكذا يبدو للأرض منه وجه واحد من وجهيه لا يتغير،ويصل طول نصف قطره إِلى 1738كم. ويتميز سطحه بوجود السهول والمنخفضات والجبال التي قد يصل ارتفاعها إِلى ما يزيد على 8200م، وتراوح درجة الحرارة على سطحه بين +100ْ درجة مئوية نهاراً و –150ْ درجة مئوية ليلاً في المتوسط.
ولا يزال العلماء حتى اليوم حائرين في تفسير نشأة القمر وأصله، وهم في ذلك بين ثلاث فرضيات كل منها يتطلب وجود آلية ذات أساس محدّد: فإِما أن يكون القمر قد تولّد مع الأرض من الشمس، كما تولّدت منها بقية الكواكب وأقمارها على شكل شرارات انطلقت منها يومأً ما ثم تبردت فيما بعد، وإِما أن يكون القمر انسلخ عن الأرض يوماً ما بسبب سرعة دورانها الشديد حول نفسها (2-3 ساعات فقط للدورة الواحدة) في بداية تكوّنها، وإِما أن يكون قد تشكل في م
كان ما ضمن المجموعة الشمسية ثم بدأ يجوب الفضاء إِلى أن مرّ يوماً ما بجوار الأرض فاجتذبته وأسرته وجعلته تابعاً لها، لأن جاذبية الأرض أكبر من جاذبية القمر بنحو 81 مرة. وبما أن حجم القمر وكثافته أقل من حجم الأرض وكثافتها، فإِن الثقالة القمرية لا تبلغ سوى سدس الثقالة الأرضية، بحيث أن من يزن 60كغ على الأرض لا يزن أكثر من 10كغ على القمر، ومع كل ذلك ولقرب القمر نسبياً من الأرض فإِنه يؤدي دوراً مهماً في ظاهرة المد والجزر التي تؤثر في المياه واليابسة على سطح الأرض على حد سواء. وعلى الرغم من صغر حجم القمر بالمقارنة مع الشمس فإِن قربه هذا من الأرض يؤدي إِلى كون دوره في مجمل عملية المد والجزر معادلاً 11/5 من دور الشمس في مجمل العملية.
أصل الأرض ونشأتها
لتفسير نشأة المجموعة الشمسية ومنها كوكب الأرض، ظهرت نظريات عدة لا تخلو من الطرافة ومن المفارقات والمتناقضات، وفيمايلي ذكر الأساسي منها. والحقيقة أن الجدال والنقاش في ذلك قد بدأ منذ ما يزيد على القرن حول نشوء المجموعة الشمسية، وقد انتهى ذلك إِلى إِثبات مجموعة من النتائج والحقائق حول هذه المسألة تقرب من اليقين، وأهمها هي حقيقة نشوء الشمس في الوقت نفسه الذي تكونت فيه الأرض. وأهم الفرضيات التي وُضعت بهذا الخصوص هي نظرية لابلاس Laplace ومفادها أن الشمس وكواكب المجموعة الشمسية تكونت في الأصل انطلاقاً من سديم غازي هائل ذي كثافة غير متجانسة في نقاطه وأجزائه كافة، ولقد تبرد هذا السديم تدريجياً في أثناء دورانه حول نفسه، فتقلصت بعض أجزائه وانفصلت عنه تدريجياً انطلاقاً من منطقته الاستوائية.
وبديهي القول إِن هذا التبرد والتقلص رافقهما ازدياد في سرعة الدوران، وبالتالي ازدادت القوة النابذة، ونتيجة حتمية لذلك انفصلت كتل غازية أخرى عن السديم الأصلي وأخذت تدور في اتجاه السديم الرئيس حول الشمس، وهكذا تشكلت كواكب المجموعة الشمسية.
والحقيقة أن نشوء الأرض انطلاقاً من مثل هذه الكتلة الغازية، يستدعي أو يستوجب حدوث تكاثف ضمن هذه الكتلة نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل الآلية والطاقية، كالجاذبية والتفاعلات النووية والقوة النابذة، والقوى المغنطيسية الهيدروديناميكية وغيرها، ولكن السؤال الكبير هو: هل أخذت الأرض شكل سطحها وحجمها الحاليين نتيجة للتقلصات أم نتيجة للتمددات؟
في ردح طويل من الزمن سادت فكرة سيادة عامل التقلص في تفسير نشوء القشرة الأرضية وتضاريسها الرئيسة الناجمة عن الحركات الالتوائية الكبرى أو المولّدة للجبال. أما في الوقت الحالي، فإِن فكرة تكون شكل سطح الأرض وحجمها الحاليين استناداً إِلى عامل التمدد أو بفضله بدأت تسود تدريجياً مع أن ذلك يبدو غريباً للوهلة الأولى. فالحقيقة أنه بموجب التبرد المنطلق من الداخل باتجاه الخارج وما ينجم عنه من تقلصات وتصلب للقشرة الخارجية لا يمكن للأرض بشكلها وسطحها الحاليين أن تكون قد تطلّبت أكثر من 40 م
ليون سنة وهذا مالا ينطبق على الواقع إِطلاقاً، إِذ إِن ذلك يتناقض مع جملة من الحقائق والمسلمات الجيولوجية (وجود المستحاثات التي يمكن تأريخها بمساعدة النظائر المشعة ومراحل التحولات الجيولوجية). وعلى العكس فإِن عمر الأرض يراوح وفقاً للحقائق العلمية الثابتة بين 4 و5 مليارات سنة واستغرقت في تشكلها مئة م
ليون سنة. إِضافة إِلى ما تقدم فقد ظهرت نظرية حديثة تتفق مع هذه المعطيات، وملخصها (وهي تطوير لآراء ألفرد فيغنر A.Wegener وأفكاره) هو أن القشرة الممتدة تحت المحيطات أسفل غطاء رسوبي متباين السماكة، نشأت نتيجة لتصاعد المهل (الماغما) ذي الخصائص البازلتية، ممتدة على السطح ابتداء أو انطلاقاً من السلاسل المتراصفة تحت المحيطية أو المتشعبة في أواسط المحيطات. إِِن قوة الدفع التي يسببها تصاعد المهل هي التي تؤدي إِلى تباعد القارات بعضها عن بعض بمعدل بضعة سنتيمترات كل عام، وهذا يسهم طبعاً في اتساع سطح الكرة الأرضية. وقد أمكن التحقق من كل ذلك تجريبياً وبطريقة غير مباشرة. وذلك عن طريق دراسة الشذوذات المغنطيسية. وبوجه عام فإِن قعور المحيطات موزعة بشكل متناسق ومتطابق لدرجة لا يمكن معها عزو ذلك لمجرد المصادفة المحضة بالمقارنة مع السلاسل المقابلة والمتفقة معها.
إِن تأريخ هذه القعور سمح بتحديد مراحل تشكلها، كما سمح بتحديد العلاقة والتطابق بين مراحل تشكلها والتباينات المغنطيسية القديمة (مجال الجاذبية القديمة Paléomagnétique) للأرض، وهذه الظواهر كلها مرتبطة بالعوامل الحركية (الديناميكية) المسؤولة عن هندسة وتحديد هوية العلاقة بين القشرة والطبقات الباطنة للأرض من جهة، وتقسيم سطح الأرض إِلى محيطات وقارات من جهة ثانية.
بنية الأرض وتركيبها
إِن التباين الشديد في كثافة القطاعات المختلفة للكرة الأرضية يعكس حقيقة كون هذه الكرة مكوّنة من عدة أغلفة أساسية متباينة الطبيعة والثخانة، متحلقة حول نواة مركزية. وفي الواقع فإِن دراسة الاهتزازات الناجمة عن الهزات الأرضية هي التي تعطي فكرة واضحة عن تباينات التركيب والاختلاف في الطبيعتين الفيزيائية والكيمياوية لهذه النطاقات، لأن هذه الاختلافات تنعكس تباينات شديدةً في خط سير الموجات الاهتزازية وطبيعتها التي لا تنتشر بالطريقة نفسها ولا بالسرعة ذاتها في أثناء مرورها في أوساط متباينة الطبيعة. أما من ناحية التركيب والطبيعة والبنية فإِن المعلومات المعتمدة على الملاحظات العملية العلمية المباشرة تقتصر على ثخانة 8000م (علماً بأن الإِنسان تمكن من النزول إِلى عمق 3500م) من القشرة الأرضية، وهذا ما يتفق مع أعمق الآبار التي حفرت لغرض البحث العلمي ولتعرف طبيعة الأرض. أما فيما عدا ذلك فإِن المعارف عن الطبيعة والتركيب تستند إِلى وسائل غير مباشرة، بمساعدة المعطيات الجيوفيزيائية، وعلى نحو رئيس المعطيات الكهرمغنطيسية والكهربائية والحرارية التي يمكن أن تزود المعرفة بمعلومات محددة عن الخصائص الفيزيائية على أعماق معينة للأرض. ولكن يجب الاعتراف بأن المعرفة الدقيقة المحددة لطبيعة المواد المكونة للأرض في الأعماق المختلفة ولتركيبها ما زال يكتنفها بعض الغموض. إِن تسجيل الاهتزازات الناتجة عن الهزات الأرضية ودراستها يسمحان بتحديد إِحداثيات م
كان نشوئها من حيث خطوط الطول والعرض والعمق أيضاً، وذلك بتسجيل هذه الموجات الناجمة عن الهزة الواحدة في مراصد خاصة منتشرة في أماكن متفرقة على سطح الكرة الأرضية، وتُحدَّد الإحداثيات المذكورة استناداً إِلى اختلاف المدد التي تصل فيها هذه الموجات إِلى المراصد المختلفة بحسب بعدها عن المراكز أو م
كان نشوء الهزة. وبتعبير آخر يسهل تعرف مركز الهزة وعمقها وسرعة انتشار أمواجها بمساعدة المحطات الجيوفيزيائية الخاصة، وهذا ما يساعد في معرفة طبيعة المواد التي اخترقتها الموجات المذكورة وكثافتها، وهذا مالا يمكن التوصل إِليه بالملاحظات المباشرة. وعلى هذا الأساس، تبقى معطيات هذه المحطات أو المراصد هي الوحيدة التي يمكن أن تساعد في تعيين حدود الطبقات المختلفة المتحلقة حول مركز الأرض. أما فيما يتعلق بالأعماق السحيقة، فإِن الأمور تصبح أكثر تعقيداً إِذ إِن خصائص المادة في ظل درجات الحرارة الشديدة الارتفاع وتحت ضغط عالٍ جداً مازالت مجهولة.
إِن مجموع المعطيات المتوافرة أظهرت أن متوسط كثافة الأرض يصل إلى 5.52 في حين أن كثافة القسم السطحي للأرض والخاضع للملاحظات المباشرة يراوح بين 2.5 للصخور الرسوبية و3.5 للبازلت. وهذا معناه أن المناطق الداخلية للكرة الأرضية ذات كثافات أكثر ارتفاعاً وواقعة تحت ضغوط عالية جداً لا يمكن تحقيقها مخبرياً. وقد دلّت الدراسات والأبحاث الحديثة على أن الكثافة المذكورة تتزايد تدريجياً باتجاه المركز إِلى أن تصل نحو 12-17 في مركز الأرض.
إِن هذه الكثافة في الواقع هي التي تحدد معامل تسارع الجاذبية، إِذ إِنه بحسب قانون نيوتن، فإِن أي جسم على سطح الأرض خاضع لجاذبيتها بحسب قوة ك ج (mg) الناتجة عن كتلة الجسم ذاته ك (m) مضروباً في شدة الجاذبية ج (g) وهي متحول قيمته في حدود9.8م/ثا2، وقيمة ج (g) هذه ليست ثابتة في كل نقاط الأرض، وتبدلاتها هذه تخضع أو تتبع تباينات توزع المواد المختلفة المكونة للأرض، إِذ إِن هذه القيمة تتزايد في الأقسام أو المواقع ذات الكثافة العالية. وتنخفض في المواقع ذات الكثافة القليلة. وهذه الأخيرة تتصف عادة بأنها ذات ثخانة أكبر. وبتعبير آخر،هي طبقات سطحية ثخينة ولكنها منخفضة الكثافة نسبياً. وهكذا يكون من الطبيعي القول إِن قيمة ج على سطح البحار، يجب أن تكون منخفضة، لأن كثافة الماء أقل من كثافة صخور القشرة الأرضية. ولكن ذلك لا ينطبق على الواقع لأن قيمة ج هنا ليست منخفضة، ولا يمكن تفسير ذلك إِلا بكون المواد التي تشكل القشرة تحت مياه البحار والمحيطات من طبيعة ذات كثافة أكثر ارتفاعاً من المواد التي تكوّن القشرة في القارات. وعلى هذا يمكن استنتاج أن كثافة المواد التي تشكل الكتل الجبلية أقل من كثافة المواد الواقعة تحت المناطق السهلية، وكثافة المواد الواقعة تحت السهول هذه أقل من كثافة مواد القشرة الواقعة تحت مياه البحار والمحيطات. أي إِن كل شيء يتم كما لو كانت الكتل القارية ترتفع بصورة أكبر مع تناقص كثافتها تماماً كحالة قطع الخشب المتباينة الطبيعة التي تطفو عموماً فوق الماء، ولكن الأقسام الغاطسة في هذه الأخشاب تحت الماء تختلف حتماً باختلاف طبيعة الخشب وكثافته. ومن هنا تولدت فكرة التوازن الهيدروستاتي equilibre hydrostatique. ولكن الأمر المهم الواجب معرفته هنا هو أن القاعدة التي تتوضع عليها الكتل القارية هي من طبيعة لزجة، ولكنها ليست بلزوجة الماء، وبالتالي فإِن التوازن السابق ليس توازناً مثالياً، أي إِنه ليس هيدروستاتيا، ولكنه توازن إِيزوستاتي (سيالي) isostatique (توازن ناجم عن تباين كثافة المواد المختلفة). ومع ذلك فإِن الضغط الذي تمارسه أوزان الكتل المختلفة يصبح متعادلاً على عمق يقع في حدود 60كم، وهذا المستوى يعرف بسطح التعويض الإِيزوستاتي surface de compensation isostatique، وتحت هذا المستوى هنالك توزع كتلي منسجم ومتجانس.
إِن التوازن السابق يمكن أن يتعرض للتشويش أو للتخريب في الحالات التالية:
ـ تكون السلاسل الجبلية، وذلك نتيجة للعلاقات التي ذكرت بين الكثافة والكتلة.
(الشكل -3) عمليات الحت و
التعرية والتراكم الكبرى وما تسببه من حركات تعويض
ـ ازدياد نشاط أعمال الحت و
التعرية التي قد تتمكن من إِزالة كتلة جبلية ما مثلاً، ونتاج هذا النشاط من مواد وأنقاض ومجروفات يتوضع في نهاية المطاف في قعر المحيطات، وهذا ما يؤدي إِلى ازدياد الضغط على هذا القاع مسبباً نوعاً من
الغور أو الخسف في قاع المحيطات، تقابلها حركة ارتفاع أو نهوض شاقولية للمنطقة التي تعرضت لعملية الحت الشديد (الشكل3).
ـ التبدلات المناخية التي يمكن أن تقوم بدورها أيضاً، ذلك أنه في حالة حدوث سخونة مناخية شديدة تذوب
الجليديات التي تغطي المناطق القارية، ومن ثم يتناقص الضغط الموجود فوقها بسبب فقدان وزن الجليد الذي تحول إِلى ماء ودخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة إِلى مياه البحار والمحيطات، ومن ثم سوف تحدث حركة نهوض إِيجابية للمناطق التي فقدت جليدها.
(الشكل -4) البنية الداخلية للكرة الأرضية (الأعماق والكثافات)
إِن المعطيات الناجمة عن مثل هذه الدراسات، إِضافة إِلى معطيات الجاذبية وقياساتها المختلفة وتبايناتها، ساعدت على تفسير معطيات الهزات الأرضية، وباجتماع النتائج المذكورة، تكونت فكرة واضحة عن تركيب النطاقات المختلفة التي تشكل الكرة الأرضية وعن تكوينها وطبيعتها وكثافتها. ولقد اتفقت الأبحاث والدراسات على حقيقة أن الأرض مكونة من ثلاثة نطاقات يغلف بعضها بعضاً بصورة كروية نسبياً، وب
قطر يصل طوله إِلى 12742كم وهذه الأقسام هي: القشرة الأرضية والوشاح والنواة (الشكل 4).
القشرة الأرضية: وهي طبقة متباينة التركيب والثخانة تحت القارات والبحار والمحيطات، مع ثخانة متوسطة تصل إِلى 40كم وكثافة قريبة من 2.7. إِن تباين هذا يكون واضحاً جداً هنا، ذلك أنه يرتفع تحت السلاسل الجبلية (قد يصل إِلى 80كم) وينخفض تحت السهول والمحيطات، حيث يقع انقطاع موهوروفيتشيش على عمق يراوح بين 10و12كم تحت المحيطات، وهذه القشرة تتألف من طبقة تراوح سماكتها بين 5و8كم، وصخورها مكونة من مواد ذات طبيعة قاعدية تراوح نسبة السيليس فيها بين 45٪ و52٪، تجتازها أمواج الهزات الأرضية بسرعة تصل إِلى 6.7كم/ثا، تعلوها طبقة ذات ثخانة تصل إِلى 3كم مكونة من الصخور البركانية بصورة رئيسة، غنية بالتيوليت و
البازلت المشبع بالسيليس، وهي ذات كثافة تصل إِلى 3، تخترقها موجات الهزات الأرضية بسرعة 5كم/ثا، وفوق هاتين الطبقتين تتوضع الصخور الرسوبية بأنواعها المختلفة التي تغلب عليها الطبيعة الكربوناتية ذات الكثافة المنخفضة نسبياً والتي تصل إِلى 2.2 وتخترقها موجات الهزات الأرضية بسرعة لا تتجاوز 2كم/ثا.
وبصورة عامة، تتوضع الصخور الرسوبية هذه في المناطق القارية فوق طبقة غرانيتية تقبع فوق طبقة بازلتية ولكن دراسة موجات الهزات الأرضية بينت أن طبقة
البازلت المذكورة ليست موجودة في كل المناطق تحت طبقة الغرانيت، وهذا يعني أن الاتصال بين القشرة والوشاح يتم أحياناً بين طبقة الغرانيت وصخور الوشاح مباشرة، وأحياناً أخرى بين طبقة
البازلت وصخور الوشاح.
وتتكون طبقة
البازلت بصورة رئيسة من السيليسيوم والمغنزيوم ولهذا تدعى اختصاراً باسم سيما sima وهي التي تعطي، أو هي مصدر، صخور
البازلت القادمة من الأعماق ولها تركيبها الكيمياوي نفسه، ولكن بنية
البازلت الداخلي تختلف عن بنية
البازلت السطحي لأن هذه الأخيرة تتميز بانطلاق سريع للغازات المختلفة بمجرد وصولها إِلى السطح وهذا أمر لا يمكن حدوثه في الأعماق.
أما الطبقة الغرانيتية فمركبة من السيليس والألومين بصورة رئيسة، ولهذا فإنها تدعى اختصاراً باسم سيال sial وهذه الطبقة هي التي تقدم صخور الغرانيت المعروفة، كما أنها في حالة خروجها إِلى السطح عند حدوث البراكين، وبسبب الانطلاق السريع للغازات فإِنها تعطي ذوباً بركانياً lava ذا طبيعة حمضية كما هو الحال في الريوليت، والأقسام العلوية لهذه الطبقة مكونة من الغرانيت الذي تبرّد تدريجياً وببطء شديد وبمعزل عن الهواء مما أتاح الفرصة لحدوث تبلُّر كامل لموادها. إِن النشاط البركاني الذي يدفع بصخور الطبقتين السابقتين إِلى السطح هو المسؤول عن تكوّن الصخور المتحولة ضمن الصخور ذات الأصل الرسوبي، وبهذا تتحول عناصرها وموادها الرسوبية هذه إِلى صخور مشابهة في بعض خصائصها وصفاتها لصخور طبقتي السيما والسيال.
الوشاح: ويقع تحت انقطاع موهوروفيتشيش على عمق مح
صور بين40كم و2900كم. أما من ناحية التركيب فإِن التجارب التي أجريت على سرعة الصوت ضمن الصخور المختلفة، وفي ظل أعلى درجات الضغط التي أمكن تحقيقها مخبرياً تبيّن أنه لا يمكن أن يوجد في قاعدة القشرة صخور ذات طبيعة حامضية مماثلة للغرانيت وتعطي سرعات ضعيفة جداً.
وفي الوقت نفسه، فإِن السرعة التي وجدت هنا هي أكثر ارتفاعاً من السرعات التي وجدت في صخور
البازلت. وعلى هذا يمكن القول إِن تركيب هذه الصخور الواقعة تحت القشرة وطبيعتها هي فوق قاعدية غنية جداً بالحديد وبالبيريدوتيت (تصل نسبة السيليس في هذا الصخر الأخير إِلى 40٪ من تركيبه) وهي ذات بنية صلبة على العموم، وتراوح الكثافة هنا بين 5.66.3.3، علماً أن هذه الكثافة تتناقص بدءاً من قاعدة الطبقة باتجاه قمتها، وفي الحقيقة، وفي ظل ضغوط عالية جداً، وتركيب كيمياوي ما، فإِن صخراً ما يمكن أن يشمل تجمعات معدنية متباينة، في حين إِن الضغط العالي يساعد على ظهور الصخور الأكثر كثافة، وبناءً على ما تقدم، يمكن لصخور الإِيكلوجيت المكونة من البيروكسين ومن الغرونا ذي الكثافة المرتفعة والتي ترتفع فيها سرعة انتقال الصوت، يمكن لهذا الصخر الباطني النادر جداً على السطح أن يكون المقابل أو النظير لصخر بازلتي مكون من الفلدسبات والبيروكسين. وما هذا الاختلاف والتباين بين الصخرين إِلا نتيجة لتباينات درجات الحرارة والضغط في شروط الوسط الذي يتشكل فيه الصخر. كما أنه في ظل الضغوط العالية جداً السائدة في الأعماق قد تظهر معادن جديدة لها التركيب الكيمياوي نفسه الذي للمعادن المعروفة على سطح الأرض ولكنها تختلف عنها في البنية الذرية، ولهذا فإِن الصخور الباطنية تكون ذات كثافة أعلى. إِن الحقائق السابقة هي المسؤولة عن تبدلات الخصائص والميزات النوعية التي تلاحظ على نحو رئيس في الصخور الواقعة على أعماق تراوح بين 400كم و900 كم ويقدر الاختصاصيون بأن الوشاح يتألف من طبقة سطحية «أستنوسفير» Asthenosphere تراوح ثخانتها بين 500كم و600كم، ذات طبيعة لزجة يتباطأ سير الموجات فيها، وطبقة ذات طبيعة صلبة تعرف باسم «ليتوسفير» Lithosphere تعلو الطبقة السابقة وتصل ثخانتها إِلى بضعة كيلومترات أما التركيب الكيمياوي فهو متماثل في الطبقتين المذكورتين.
(الشكل -5) أثر تيارات الحملان
إِن القسم السابق من الوشاح يسهم في ديناميكية القشرة بصورة أساسية ذلك أنه بحسب نظرية الصفائح القارية Plaques فإِن العالم بمجمله يتألف من 6 صفائح إِضافة إِلى مجموعة من الصفائح ذات المقياس الصغير المرتبطة بها، وتتألف هذه الصفائح من قبعات صلبة من الليتوسفير تتحرك فوق طبقة الأستنوسفير ذات البنية اللزجة مسببة حدوث الهزات الأرضية العميقة، ومولدة السلاسل الجبلية المهمة، إِن سبب حركة هذا القسم الصلب هو وجود تيارات الحملان courants de convection الناجمة عن تباينات كثافة المواد اللزجة ضمن الأستنوسفير التي تسببها تباينات درجات الحرارة وتتحرك هذه التيارات بسرعة تراوح بين 1و5م/ السنة محركة معها الليتوسفير بما فيها الطبقة البركانية التيوليتية (الشكل5).
أما من الناحية الكيمياوية فإِن الجدول التالي يبين النسب المئوية للعناصر المختلفة التي تسهم في تركيب كل من القشرة والوشاح.
العناصر
الوشاح
القشرة
SIO2
43.95
59.77
AL2O3
3.88
14.89
Fe2O3
8.25
6.08
FeO
MgO
39.00
3.74
CaO
2.60
3.86
Na2O
0.60
3.25
K2O
0.22
2.98
TiO2
0.57
ـ
عناصر أخرى
0.93
4.43
المجموع
100
100
يؤكد الجدول السابق الأهمية الكبرى للسيليسيوم الذي يؤدي في عالم الفلزات دوراً مماثلاً للدور الذي يؤديه الكر
بون في عالم العضويات.
النواة: وتشغل مركز الأرض، ويصل طول قطرها إِلى 6940كم، ويشغل مركزها ما يسمى (النويّة) وهي تتألف بمجملها من الحديد والنيكل، وتتباين الكثافة هنا بشدة، إِذ تراوح في النويّة بين 11.8و17 في حين تنخفض في الأقسام الخارجية لتراوح بين 9.7 على حدود الوشاح و11.8 على حدود النطاق الانتقالي مع النويّة.
إِن الارتفاع الهائل لقيم الضغط في النواة التي تصل إِلى نحو 3 ملايين كغ/سم2 لا يسمح للمادة بالمحافظة على شكلها السائل، وفي الوقت نفسه، ومن الناحية الكهرمغنطيسية فإِن النواة تتصف بناقلية كهربائية عالية جداً، لذا يمكن القول بأن طبيعتها لابد أن تكون حالة لزوجة وميوعة لمعدني الحديد
والنيكل العنصرين الرئيسين المكونين للنواة، في حين أن أقسامها المركزية تتصف بكونها أقرب إِلى الصلابة منها إِلى السيولة، وذلك لأن الموجات الاهتزازية تتمكن من اختراقها. وعلى العموم لابد من القول بأن النواة من حيث البنية والطبيعة والتركيب تشكل وسطاً ذا مميزات وخصائص نوعية جداً ما زالت دقائقها وخفاياها مجهولة. ولكن الأمر المهم على مستوى النويّة، وبحسب آخر الفرضيات العلمية عن تركيبها وبنيتها، يبدو كأن الحديد المكون لها مؤلف من عناصر مبلورة كما أن أصل الحقل المغنطيسي للأرض يجب أن يكون هو النواة ذاتها، وهذا ما يتطلب ضرورة كون بنيتها بلاستيكية مائعة نوعاً ما وذات ناقلية جيدة، وهذا كله يتفق مع النظرية الاتباعية (الكلاسيكية) التي تذهب إِلى أن الحديد هو العنصر الرئيس المكون للنواة.
وقبل اختتام الحديث عن البنية الداخلية لابد من ذكر أن درجات الحرارة تتزايد في الأعماق، ولكن قيمة هذا التزايد ليست ثابتة، بل إِنها تخضع لتباينات هائلة وفقاً لتباين درجة ناقلية الصخور المختلفة وطبيعتها وطبيعة ما يجري فيها من تفاعلات كيمياوية (أكسدة بيريت الحديد مثلاً) أو للتحولات الفيزيائية التي تشهدها (كتفكك الفلزات المشعة المولدة للحرارة). وكما هو معروف، فإِن درجات الحرارة تتزايد في الأعماق بشدة قرب المناطق البركانية وفي المناطق النفطية، ويبلغ معدل هذا التزايد درجة واحدة لكل 10-20م، في حين يحتاج تزايد درجات الحرارة درجة واحدة في المناطق الغرانيتية مثلاً إِلى عمق يصل إِلى 70م وسطياً. وقد ترتفع هذه القيمة إِلى 120م في الصخور الرسوبية. والجدول التالي يعطي فكرة عن وسطي ارتفاع درجات الحرارة في الأعماق، علماً بأن قيم درجات الحرارة المذكورة هنا هي قيم تقريبية يمكن للقيم الحقيقية أن تتجاوزها بكثير، وذلك تبعاً لطبيعة صخور المنطقة المعنية وتركيبها.
العمق بالكم
0
20
40
60
80
100
200
الحرارة (بالدرجة المئوية)
0
550
800
1050
1200
1350
1700
وإِن قيم الضغط والكثافة وتسارع الجاذبية كذلك تخضع لتبدلات مهمة جداً مع الأعماق كما يبدو ذلك واضحاً من خلال إِلقاء نظرة فاحصة على الشكل6.
(الشكل -6) الكثافة والضغط وتسارع الجاذبية حسب أعمال الكرة الأرضية
شكل الأرض وأبعادها
تبلغ المساحة الإِجمالية للأرض نحو 510101×310كم2 ويصل حجمها إِلى 1083320×610كم3 في حين تبلغ كتلتها 5.976×2710طن ومتوسط كثافتها يصل إِلى 5.52 وتقسم مساحة الأرض بين البحار والمحيطات واليابسة، إِذ تحتل البحار والمحيطات71٪ من المساحة العامة مقابل 29٪ لليابسة، وتتوزع هذه الأخيرة على نصفي الكرة على نحو غير متساوٍ، إِذ تصل نسبتها في نصف الكرة الشمالي إِلى 39.4٪ من مساحة هذا النصف الإِجمالية مقابل 18.6٪ فقط من مساحة نصف الكرة الجنوبي.
إِن للأرض شكلاً قريباً من شكل كرة مفلطحة. وكروية الأرض أصبحت قضية لا مجال للشك فيها ولاسيما بعد سلسلة ال
صور التي التقطتها الأقمار والمركبات الفضائية للكرة الأرضية، ولكن شكل الأرض هذا وعدم كرويتها المنتظمة ليست ناجمة عن تضاريس الأرض ذاتها، ذلك أن أكثر الجبال ارتفاعاً وأشد الحفر انخفاضاً لا يمثل أكثر من سمٍّ صغير على جسم برتقالة عادية. إِن عدم انتظام الشكل الكروي في الواقع ناجم بالدرجة الأولى عن دوران الأرض حول نفسها، وبهذا الدوران تتولد قوة مركزية طاردة تحاول دفع سطح الأرض بعيداً عن مركزها، وبعكس اتجاه الجاذبية. وهذه القوة الطاردة تكون ذات قيمة أعظمية في المنطقة الاستوائية (منطقة الاستواء تحديداً) وهذا ما أدى إِلى انتفاخ هذه المنطقة. ولتعويض هذا الانتفاخ، حدث تفلطح مكافئ في منطقتي القطبين حيث يكون تأثير القوة المركزية النابذة (الطاردة) في أدنى درجاته هنا وعلى عكس خط الاستواء تماماً. وعلى هذا يمكن القول بأن كل شيء يجري كما لو كانت الأرض كتلة كروية مطاطية شدت من منطقتها الاستوائية باتجاه الخارج فانضغطت أو تفلطحت المنطقة أو الجهة الرأسية ذات المحور المتعامد مع محور الشد لتعويض الانتفاخ أو الشد المذكور.
إِذن للأرض شكل إِهليلجي يبلغ طول نصف قطره الاستوائي (الكبير) 6378.245كم مقابل 6356.863كم لنصف ال
قطر القطبي (الصغير)، وعلى هذا يكون مقدار التفلطح1: 298،30 وذلك وفق مايلي:
مقدار التفلطح = طول ال
قطر الاستوائي – طول ال
قطر القطبي
طول ال
قطر الاستوائي
ومما يستدعي الانتباه هنا، هو أن الفارق بين طول نصفي القطرين (21.382كم) يساوي تقريباً الفارق بين أعلى نقاط الكرة الأرضية (قمة إِيفرست 8848م) وأخفض نقاطها (الهوة المحيطية مقابل ساحل
الفيليبين وعمقها 11516م)، أي أن الفارق هو بحدود20.364كم، وربما يكون هذا التقارب بين الرقمين ناجماً عن قيمة محددة تنتج عن بنية الأرض ذاتها أو عن حركتها في الكون.
إِن دراسة شكل الأرض تستند على تحليل حقل أو مجال جاذبيتها، وهذه الدراسة تقدم في الوقت نفسه توزع قوى الجاذبية ذاتها مضافاً إِليها محصلة القوى النابذة الناجمة عن دوران الأرض حول محورها. إِن معدل التفلطح المذكور آنفاً يتفق مع تباين في الجاذبية قيمته 5 غال على مستوى
البحر بين القطب وخط الاستواء (983 غال على القطب مقابل 978 غال على الاستواء) ومعروف أن الغال هو واحدة قياس تسارع الجاذبية وتعادل 10-2م/ثا2، وتتناقص الجاذبية مع الارتفاع بمعدل 0.3 غال لكل كيلو متر، كما تحدث تباينات محلية على مستوى الجاذبية تسببها بنية القارات ذاتها، فعلى مسافة بضع مئات الكيلو مترات يمكن أن تحصل تباينات في الجاذبية قيمتها 0.1-0.2 غال. إِن البنية الجيولوجية يمكن أن تسبب أيضاً بعض التباينات التي قد تصل إِلى 20-50 ميليغال milligal على طول مسافة تراوح بين10و20كم. إِضافة إِلى ثوابت الجاذبية هذه يجب أن لا ينسى أثر الشمس والقمر والكواكب الأخرى، وذلك أن قوى جذبها يدخل عاملاً متغيراً بصورة دورية، ومع أن قوة جذبها ضئيلة للغاية فإِنها تؤثر في كل أجزاء الكرة الأرضية مسببة وجود نوع من التشوه الذي يؤدي إِلى تعديل طول نصف الأرض بمقدار عدة ديسيميترات. وهذا التشوه يؤدي إِلى تعديل قيمة الجاذبية تعديلاً طفيفاً.
(الشكل -7) الجيوئيد
وبفرض إِم
كان تمثيل السطح الذي يحمل تضاريس الأرض وانطلاقاً من المعطيات السابقة، فقد جرت محاولات عدة لتصوُّر الشكل الحقيقي للأرض ولرسمه، ولهذا الغرض
كان لابد من معرفة أطوال أقواس مختلفة من الكرة الأرضية تحصر أو تحدد زوايا معروفة القيمة. والمرجع الأساسي الذي يمكن الاعتماد عليه هنا هو مراكز النجوم لأن اتجاهها بالمقارنة مع محاور ومستويات محددة على الأرض تتغير وذلك نتيجة حتمية لدوران الأرض حول نفسها. وعلى هذا مثلاً يلاحظ أن القطب ينخفض أو يتراجع في الأفق بالاقتراب من خط الاستواء. ومن هنا أمكن استخلاص الحقيقة الثابتة التي يمكن الاستناد إِليها وهي الاتجاه العمودي بالنسبة للمستوى الأفقي، وهذا الاتجاه يحدده اتجاه النواس على السطح السائل الحر الساكن واتجاه هذا الخيط هو الذي يحدد اتجاه الجاذبية طبعاً، والذي يدخل فيها أثر القوة النابذة حتماً. والحقيقة أن الاتجاه العمودي الذي يحدده خيط النواس لا يمر من مركز الأرض إِلا على القطب تماماً، حيث تنعدم القوة النابذة، وعلى خط الاستواء تماماً حيث القوة النابذة هنا تؤثر في نقاط دائرة كاملة بعدها عن محور الدوران واحد وثابت. وعلى هذا الأساس تم تخيّل أو تصوّر ما يعرف بالجيوئيد Geoide الذي يمكن تعريفه بأنه شكل كروي قريب جداً من شكل الكرة الهندسية من دون أن يكون كروياً تماماً، وتتعامد على نقاطه كافة محاور الثقالة أو الجاذبية الأرضية، ويعزى عدم الكروية الكاملة إِلى تباينات الجاذبية الناجمة هي أيضاً عن تباين طبيعة المواد المكونة للكرة الأرضية وتوزعها، ولتحديد شكل هذا الجيوئيد لابد من وجود أو من صنع «إهليلج مَرْجعْ» له محور مواز لمحور العالم، وهذا الإِهليلج يُرسم بطول القطرين القطبي والاستوائي بغية تحديد قيمة التفلطح أو مقداره، وبعدها يمكن الانتقال إِلى الجيوئيد (شكل الأرض الواقعي) (الشكل 7) الذي هو الشكل الكروي (تجاوزاً) الذي يمثل المسافات أو الفروق التي تفصل حدوده الخارجية عن حدود إِهليلج المرجع، وهذه المسافات تراوح عادة بين عشرات الأمتار وبضع مئات منها في أقصى نقاط التباعد عادة.
إِن أبعاد الجيوئيد تختلف قليلاً باختلاف قياسات إِهليلج المرجع الذي يُبنى على أساسه. وقيمة تفلطح إِهليلجات المرجع التي يمكن الاعتماد عليها لتحديد شكل الجيوئيد وأبعاده تختلف من بلد إِلى آخر مع أن هذه الاختلافات تبقى غير محسوسة عملياً، إِذ إِن تفاوت قيم التفلطح لاتزيد على 290:1 إِلى 300:1 أي إِنها تراوح بين 1/290و1/300 تقريباً. والواقع أن المصلحة العالمية فيما يخص دراسة الجيوئيد المذكور بشكله الكامل، أو تحديد شبكة الإِحداثيات الكاملة، تفترض وجود إِهليلج مرجع عالمي واحد يبنى عليه الجيوئيد، مع أن ذلك يتطلب القيام بإجراء حسابات وتعديلات وتصحيحات إِضافية لأن إِهليلجات المرجع المعروفة عالمياً متعددة.
إِن قضية توحيد هذا الإِهليلج أصبح حقيقة لا مفر منها بعد تطور وسائل التقنية الحديثة فيما يتعلق بعلم قياسات الأرض، وتطور علم الجيوديزية (علم مساحة الأرض) Geodesie ولاسيما بعد أن أصبح في متناول الجيوديزيين وسائل وطرائق بحث كونية يمكن مراقبة الأرض منها، وأهم إِهليلجات المرجع المعروفة:
إِهليلج كلارك R.Clark: وضع كلارك إِهليلجين أولهما عام 1866. وثانيهما، وهو المعدل، عام 1880، ولم يستخدم هذا الإِهليلج خارج الولايات المتحدة الأمريكية، أما قياسات هذا الإِهليلج فهي: طول نصف ال
قطر الاستوائي 6378249.2م وقيمة تفلطحه 293.47:1- في بداية القرن العشرين وفي المؤتمر الجيوديزي العالمي، تم الاتفاق على استخدام إِهليلج هايفورد F.Hyford عالمياً، وقياساته هي: طول نصف ال
قطر الاستوائي 6378388م ومقدار تفلطحه 297:1 وذلك استناداً إِلى القياسات المختلفة التي أجريت في مناطق متفرقة من الكرة الأرضية، ومع إِهليلج المرجع هذا عُرضت القاعدة التي يمكن بوساطتها استنتاج التبدلات النظرية (وفق خطوط العرض وبحسب الارتفاعات) لقيمة ج على الكرة الأرضية التي تتوزع موادها المختلفة ضمن كرة أرضية لها الأبعاد التي اقترحها هايفورد. وهذه القاعدة هي المستخدمة لإِعطاء التبدلات النظرية للجاذبية على مستوى الجيوئيد وفقاً لخطوط العرض φ والقاعدة هي:
(ج= 978.049(1+0.0052884 جب2
φ
-0.0000059 جب2 φ)
ـ وفي عام 1942 اقترح كروسكي N. Krouski إِهليلج مرجع أبعاده هي: طول نصف ال
قطر الاستوائي 6378245.00م ومقدار تفلطحه 298.3:1، وقد أخذت بهذا المرجع دول ما
كان يعرف بالمنظومة الاشتراكية منذ ظهوره.
وفي اجتماع اتحاد الفلكيين العالمي الذي عقد في
هامبورغ عام 1964، وبعد مراجعة كاملة لمجمل النظام، تم تبني هذه المعطيات مرجعاً جديداً جاء نتيجة لتطور المعطيات الجيوديزية التي توصل إِليها بمساعدة الأقمار الصنعية، وفي مؤتمر
لوزان الذي عقد عام 1967 قامت جميعة الجيوديزيين العالمية بتبني المقترح السابق نفسه وأخذ به عالمياً، أما أبعاد هذا الإِهليلج أو قياساته فهي: طول نصف ال
قطر الاستوائي 6378160.00م ومقدار تفلطحه 298.25:1.
الإِحداثيات الجغرافية
وهي شبكة من دوائر العرض وخطوط الطول الوهمية المحملة على الكرة الأرضية بغية التحديد الدقيق للمواقع على سطح هذه الكرة.
( الشكل -8) طريقة قياس درجات الطول
دوائر الطول (خطوط الطول): مجموعة من الدوائر الوهمية الكاملة والمتساوية فيما بينها متحلقة حول الكرة الأرضية ومارة من القطبين وتفيد في تحديد موقع ما شرقاً وغرباً بالمقارنة مع خط طول المبدأ، وعدد هذه الخطوط 360 خط طول: 180 شرقاً ومثلها غرباً. وخط الطول هو الخط الوهمي الواصل بين النقاط التي يكون لها درجة طول واحدة، وتحدد هذه الدرجة بسهولة بوساطة قياس الزاوية الناجمة أو المشكلة عن التقاطع بين مستوى خط الطول المار من النقطة المطلوبة، ومستوى خط طول المبدأ في محور الأرض (الشكل8).
ولتحديد خط طول المبدأ، اتفقت دول العالم في مؤتمر عقد عام 1884 على أن يكون خط الطول المار من مرصد غرينتش قرب
لندن مبدءاً لخطوط الطول وذلك بغية توحيد القياسات والإِحداثيات على الصعيد العالمي. وبما أن الأرض بدورانها حول نفسها مرة كل 24 ساعة تتم دورة كاملة أي تقطع 360ْ فإِنها تقطع في كل ساعة 15ْ درجة طول، يكون التوقيت فيها واحداً عملياً (أي إِن التوقيت واحد في النطاق الذي يغطيه 15 درجة طول). وبالانتقال شرقاً أو غرباً من هذه المنطقة فإِن التوقيت يتغير بمقدار ساعة واحدة تقديماً باتجاه الشرق وتأخيراً باتجاه الغرب لكل 15 درجة طول أو ما يعرف بالحزمة الساعية، ذلك أن كروية الأرض واتجاه دورانها حول نفسها من الغرب إِلى الشرق يؤدي إِلى أن المناطق الشرقية ترى النور قبل المناطق الغربية، من هنا ظهرت ضرورة التقسيم الزمني للكرة الأرضية إِلى ما عرف بالحزم الساعية التي تتألف كل منها إِذن من منطقة تغطيها 15 درجة طول، ومن هنا فإِن خط الطول 180 أصبح ذا أهمية حساسة ومميزة على الصعيد العالمي، ذلك أنه الحد الفاصل لفرق توقيت مقداره 24 ساعة كاملة، فمثلاً إِذا
كان التوقيت الساعة 12 ظهراً من يوم 20 آذار شرق الخط المذكور مباشرة فإن التوقيت يكون الساعة 12 ظهراً من يوم 19 آذار غرب الخط المذكور مباشرة.
ومما تجدر الإِشارة إِليه هنا هو أن المسافات بين خطوط الطول تختلف باختلاف درجات العرض ذلك أن دوائر العرض ليست متساوية فيما بينها. وهكذا يلاحظ أن المسافة بين خطي طول على خط الاستواء تساوي 111.111كم مقابل 78.849م على خط العرض 45ْ لتنعدم هذه المسافة تماماً وتصبح صفراً في نقطة القطب أو درجة العرض 90ْ.
(الشكل -9) قياس درجات العرض +خطوط العرض الرئيسية ذات المدلول المناخي الهام
دوائر العرض (خطوط العرض): وهي مجموعة من الدوائر الوهمية على الكرة الأرضية تفيد في تحديد موضع نقطة ما شمالاً أو جنوباً بالمقارنة مع دائرة أو مع خط الاستواء أو خط العرض صفر الذي يعدُّ أكبر دوائر العرض ومبدأها، ويبلغ عدد درجات العرض 180ْ درجة منها 90ْ شمالاً ومثلها جنوباً، أما عدد خطوط العرض فهو 178 خطاً لأن القطبين هما نقطتان، أما دائرة العرض أو خط العرض تعريفاً فهي الدائرة التي تصل بين النقاط ذات درجة العرض الواحدة والتي يمكن تحديدها من خلال قياس الزاوية التي يحددها تقاطع عمودي النقطة المطلوبة، مع مستوى دائرة الاستواء (الشكل 9) وهنالك خطوط عرض ذات مدلول مناخي مهم جداً، يحدده إِم
كان تعامد أشعة الشمس عليها في أثناء دوران الأرض حول الشمس، وهذه الدوائر أو الخطوط هي دائرتا العرض 23 درجة و27 دقيقة شمالاً وتعرف باسم مدار السرطان، وجنوباً وتعرف باسم مدار الجدي إِضافة إِلى دائرتي العرض 66 درجة و33 دقيقة شمالاً وجنوباً وتشكلان الدائرتين القطبيتين الشمالية والجنوبية.
يمكن تحديد درجة العرض بصورة تقريبية استناداً إِلى مراقبة نجم القطب ذي الوضع العمودي تماماً على القطب الشمالي، في حين أنه يقع في الأفق تماماً عند مراقبته من مرصد واقع على خط الاستواء تماماً، وبالاتجاه من المرصد المذكور مسافة 111.111 كم شمالاً يرتفع نجم القطب المذكور درجة واحدة، وهكذا حتى الوصول إِلى نقطة القطب الشمالي حيث يتخذ هذا النجم وضعاً عمودياً تماماً. إِن العلاقة السابقة (مسافة 111.111كم ليرتفع نجم القطب درجة واحدة) ليست ثابتة تماماً ولا صحيحة كلياً في نقاط الكرة الأرضية كافة ذلك أن الأرض ليست كروية تماماً. وهذا ما يؤدي إِلى ازدياد المسافة بين درجة عرض وأخرى بالاتجاه من الاستواء إِلى أي من القطبين، وإِن كانت زيادة المسافة هذه ضئيلة الأهمية تماماً.
دورة الأرض حول نفسها
(الشكل 10) الكرة الأرضية والكرة السماوية (الفضائية)
لو أن مراقباً ما مقيداً على محور القطبين رأسه باتجاه القطب الشمالي وقدماه باتجاه القطب الجنوبي، فإِنه سوف يجد نفسه متحركاً بفعل حركة الأرض حول محورها من يمينه باتجاه يساره بعكس اتجاه عقارب الساعة وإِذا عُد هذا المراقب نفسه ثابتاً من دون حركة، وحاول تحديد اتجاه الحركة الظاهرية للكرة السماوية (الفضائية) بالمقارنة معه فإِنه سوف يلحظ أنها تخضع لحركة يومية لها محور الدوران الحقيقي نفسه ولكن مع اتجاه دوران مباشر من اليسار إِلى اليمين بحسب اتجاه عقارب الساعة. وعلى هذا الأساس فإِن مراقباً متجهاً نحو الجنوب سوف يلاحظ إِشراق النجوم من يساره وغروبها من يمينه (الشكل 10) فلحركة الأرض حول نفسها اتجاه مباشر من الغرب باتجاه الشرق تماماً كحال اتجاه حركتها حول الشمس. إِن اتجاه محور الدوران وموقعه بالمقارنة مع نجوم يفترض أنها ثابتة مثلاً، لا يخضع للتبدلات بل أنه ثابت، وبتعبير آخر يمكن القول إِن مواقع الجهات الأربع في أفق نقطة ما ودرجة عرض هذه النقطة ذاتها وكذلك وضعية محور الدوران تبقى ثابتة بالمقارنة مع نجم القطب مثلاً، فنجم ما يعود ليرى دائرة نصف نهار محددة بفاصل زمني متساوٍ وقدره 23 ساعة و56 دقيقة وأربع ثوان (اليوم النجمي) وهو الوقت الحقيقي الذي تستغرقه الأرض لدورانها حول محورها مقارنة مع اتجاه نجم معين أو محدد.
إِن قواعد حركة الأرض حول محورها ليست ثابتة تماماً وذلك لأن موضع ما يعرف بقطبي الكرة الكونية Poles Celestes يتغير ببطء شديد بالمقارنة مع النجوم. وقد رأى كوبرنيك في تغير الموضع هذا النتيجة العملية للتغير القرني (100 سنة) في اتجاه محور الأرض بالمقارنة مع النجوم التي يفترض أنها ثابتة، وبالتالي في خط الاستواء أو الفضائي المتحرك أيضاً (إِن السطح المتعامد مع محور القطبين والمار من مركز الأرض يعرف بخط الاستواء ومستواه وامتداد هذا المستوى يحدد خط الاستواء الكوني للكرة السماوية)، ولهذا السبب فإِن نقطتي تقاطع هذا الخط مع الإِهليلج الذي ترسمه الشمس بحركتها الظاهرية (نقطة الاعتدال) تتأخر أو تتراجع على الإِهليلج المذكور بمعدل 50.3 ثانية سنوياً، أي إِن الشمس للوصول إِلى نقطة الاعتدال الربيعي مثلاً مرة ثانية مشكلة ما يعرف بالسنة المدارية Année tropique، سوف تستغرق وقتاً أقصر من الدورة الكاملة بحدود 20 دقيقة و23 ثانية. وهذا ما يتفق مع القوس الذي يبلغ طوله 50.3 ثانية وبتعبير آخر فإِن السنة المدارية أقصر من السنة الفعلية لدوران الأرض حول الشمس أو ما يعرف بالسنة النجومية Année sidérale بمدة 20 دقيقة و23 ثانية وهذا ما يعرف بمباكرة الاعتدالين أيضاً.
(الشكل -11) محور الأرض ومحور الدوران حول الشمس والعلاقة بينهما
ومما تجدر الإِشارة إِليه هنا هو أن محور دوران الأرض يميل على خط المدار الإِهليلجي بمقدار 23 درجة و27 دقيقة وعلى هذا يمكن القول بتراجع نقطة الاعتدال السابق ذكرها بمقدار 50.3 ثانية سنوياً كأنها ناجمة عن حركة قطبي الكرة السماوية ذاتها ومرسومة على مسافة 23 درجة و27 دقيقة (الشكل 11). إِن دوران الأرض حول الشمس وميل محور دورانها هما السبب في وجود أيام وليالٍ بأطوال مختلفة إِضافة إِلى أنها السبب أيضاً في تشكل الفصول الأربعة، ومحور الدوران ذاته ليس ثابتاً لأن القطب نفسه متغير الموضع سنوياً ضمن إِهليلج يصل طول محوريه إِلى 5×6م. (طول المحور الكبير ستة أمتار والصغير خمسة أمتار).
إِن دوران الأرض حول محورها ليس ثابتاً تماماً وذلك لوجود مجموعة من العوامل المعقدة التي تؤثر فيها وتعمل على إِبطاء حركتها، وأهم هذه العوامل هي: احتكاك مياه البحار والمحيطات على القيعان ولاسيما في أوقات المد والجزر والتبدلات الفصلية في نظام الرياح، ثم دور القمر والشمس وبقية الكواكب وأثرها. ونتيجة لهذه العوامل فقد لوحظ أن طول اليوم الحقيقي (اليوم النجمي) يتناقص بمعدل 0.00164 ثانية في كل قرن.
دوران الأرض حول الشمس
(الشكل -12) المدار الإهليلجي للأرض حول الشمس وحدوث الفصول الأربعة
في الوقت الذي تدور فيه الأرض حول محورها مسببة تعاقب الليل والنهار، فإِنها تقوم بالدوران حول الشمس وفق مدار إِهليلجي، ومتوسط بُعد الأرض عن الشمس في حركتها هذه هو 149.6×610كم، علماً أن الحد الأعظمي لهذه المسافة هو 152×610كم، والحد الأصغري لها هو 147×610كم، وحركة الأرض هذه حول الشمس هي السبب في حدوث الفصول الأربعة التي تعد نتيجة مباشرة لميلان دوران الأرض حول نفسها على مدار إِهليلجي حول الشمس بمقدار 23 درجة و27 دقيقة. وبما أن محور الدوران (محور القطبين) يحافظ على وضعه في أثناء الدوران فإِن القطبين الشمالي والجنوبي يتلقيان حرارة الشمس وضوءها المباشر بالتناوب، ويختلف تبعاً لذلك طول الليل والنهار في نقاط الكرة الأرضية كافة. ففي وقت الانقلاب الصيفي (21 حزيران) تكون أشعة الشمس عمودية على مدار السرطان (صيف النصف الشمالي) وعندها يزداد طول النهار في نصف الكرة الشمالي، بالمقابل يحدث العكس في النصف الجنوبي لدرجة ينعدم فيها النهار على المنطقة المحصورة بين خط العرض 66.5ْ جنوباً والقطب الجنوبي في الوقت نفسه الذي ينعدم فيه الليل في المنطقة المحصورة بين خط العرض 66.5ْ شمالاً والقطب الشمالي، وذلك لأنه عند الانقلاب الصيفي في 21 حزيران يميل القطب الشمالي إِلى الشمس في حين أن القطب الجنوبي يميل عنها، وفي الانقلاب الشتوي في 21 كانون الأول يتكرر الوضع السابق ولكن مع انعكاس الأوضاع انعكاساً كاملاً في نصفي الكرة، ذلك لأن القطب الجنوبي هو الذي يميل إِلى الشمس (صيف النصف الجنوبي) في هذه المرة في حين أن القطب الشمالي يميل عنها (الشكل 12).
أما في حالتي الاعتدالين الربيعي والخريفي (21 آذار و23 أيلول) فإِن أشعة الشمس تكون عمودية على خط الاستواء فيتلقى كل من نصفي الكرة مقادير متساوية من الضوء والحرارة، وابتداءً من هذين الاعتدالين يبدأ التطور عادة باتجاه الانقلابين محدثاً التباينات المختلفة على نصفي الكرة، فبعد 21 آذار مثلاً، ونتيجة لميل محور دوران الأرض، يتزايد تعرض النصف الشمالي لضوء الشمس وحرارتها ويبدأ انزياح الوضع العمودي لأِشعة الشمس باتجاه الشمال تدريجياً، وما إِن يميل القطب الشمالي إِلى الشمس حتى تشرق هذه الأخيرة عليه دائماً من دون أن يعرف الظلمة، ويزداد اتساع الرقعة التي لا تعرف الليل في نصف الكرة الشمالي لتبلغ أوجها في 21 حزيران، وباستمرار دورانها بعد هذا الانقلاب الأخير يبتعد القطب الشمالي رويداً رويداً عن التعرض للشمس إِلى أن ينتهي الوضع بتساوي الليل والنهار تماماً مرة ثانية وذلك عندما تعود أشعة الشمس إِلى الوضع العمودي على خط الاستواء في 23 أيلول أي في الاعتدال الخريفي.
نهاية الأرض وموتها
ما دامت الأرض هي الكوكب الوحيد المأهول بالحياة فإِنه من الطبيعي التساؤل عن مصيرها، لأن الحياة بكل أنماطها ومعانيها مرتبطة بهذا المصير. وما دام ظهور الحياة واستمرارها مرتبطين بالماء والهواء وبحرارة للشمس معينة، فإِن تطور هذه الأمور أو معرفة الخطوط الكبرى لسيرها فيما يتعلق بالأرض له أهمية خطيرة للإِجابة عن التساؤل الكبير حول نهاية الأرض. فالكواكب البعيدة جداً عن الشمس هي كواكب ميتة لأن غلافها الجوي غلاف جليدي مكون من بلورات الأمونياك والهدروجين أو من الميتان ولهذا السبب عدت كواكب ميتة، في حين أن الكواكب القريبة من الشمس مثل عطارد والزهرة تتميز بارتفاع هائل في درجات الحرارة عليها، لدرجة تستحيل معها الحياة. وتتعدد الآراء وتختلف وجهات النظر لوضع النهاية المحتملة للأرض، وأكثر النظريات بساطة هي تلك التي تقدر بأن نهاية الأرض سوف تكون النتيجة المباشرة لاقترابها أو لملامستها لنجم تائه في الكون، مما يؤدي إِلى انفجار الأرض وتحولها إِلى غبار سديمي بفعل الحرارة الهائلة التي سوف تنجم عن مثل هذا اللقاء أو عن هذه الملامسة بين الأرض والنجم التائه.
أما النظرية الثانية فترى أن نهاية الأرض هي النتيجة الحتمية لتبرد الأرض وما ينجم عنه من تبدلات في طبيعة غلافها الغازي. إِن التبرد التدريجي هذا سوف ينجم عن تبرد النواة الداخلية للأرض في الوقت نفسه الذي يجب ألا يُنسى بأن الشمس تتبرد تدريجياً أيضاً، وبالتالي فإِن الأرض تفقد شيئاً فشيئاً ما يصل إِليها من حرارة الشمس وهكذا فإِن نسبة غاز ثاني أوكسيد الكر
بون CO2 في الغلاف سوف تزداد تدريجياً وتتناقص معه كمية بخار الماء والأوكسجين لأن هذا الأخير سوف يدخل في تركيب أكاسيد الصخور بدرجة أكبر مما هو عليه في الوقت الحالي، وهكذا يقترب تركيب الغلاف الغازي للأرض من وضع تركيب الغلاف الغازي للمريخ والمتميز بأن الأكسجين فيه قد امتص من قبل القشرة الصلبة للكوكب، مما زاد في نسبة أكسيد الحديد على هذا الكوكب، وبانخفاض درجة الحرارة إِلى ما دون الصفر تنتهي الحياة وتتحول كل المياه إِلى جليد وتتساقط رطوبة
الغيوم ثلوجاً، وهذا يساعد على تركيز غاز الكر
بون الموجود في الغلاف الغازي، وما دامت
الغيوم قد انعدمت فإِن تبرد الأرض يصبح أشد سرعة بكثير في حين أن استمرار تناقص الحرارة إِلى أكثر من –200ْ مئوية سيؤدي إِلى تحول الغلاف الغازي للأرض إِلى ما يماثل الغلاف الغازي لكوكب أورانوس الذي تصل درجة حرارة سطحه إِلى –207ْ درجة مئوية، أي إِنه لا يحوي سوى الهدروجين والهيليوم والميتان.
أما النظرية الثالثة فتأخذ بها مجموعة من الجيوفيزيائيين الذين يعارضون الفكرة السابقة بشدة بل ويخالفونها تماماً وذلك انطلاقاً من مبدأ أن كل صخور اليابسة، ولاسيما الاندفاعية منها، هي صخور مشعة، وتفكك الأجسام المشعة كما هو معروف يصاحبه تحرر أو إِطلاق للحرارة، والمعروف أن الصخور الاندفاعية تشكل 52٪ من صخور اليابسة، وأن طناً واحداً من هذه الصخور يحوي وسطياً 3.46 بالألف مغ من الراديوم و11.7 مغ من التوريوم، وبما أن غراماً واحداً من الراديوم يعطي 164 حريرة في الساعة إِذن يمكن القول إِن الأرض ستشهد تزايداً حرارياً مستمراً، واعتماداً على ما سبق فقد قام العالم جولي Joly بحساب أنه على مدى مئة م
ليون سنة ستصل حرارة الأرض إِلى 1800ْ درجة مئوية، وهكذا فإِنها سوف تذوب وتتحول إِلى غبار سديمي. على أن كل ذلك لا يخرج عن نطاق الافتراضات والتخمينات.