مع إنفلونزا الخنازير.. التعليم المنزلي هو الحل
منذ أعوام كثيرة فكرت مرارا وتكرارا أن أختار شعار "لا مدارس"، فقد ضقت ذرعا بمستوى التعليم وسلبيات المدارس وتفاصيلها المملة التي كثرت علي حتى وجدتني وجها لوجه كثيرا مع خيار التعليم المنزلي فقلت في نفسي "الأفضل أن أعلم أولادي بنفسي"؛ لولا خوفي من المغامرة.
منّ الله علي بمدرسة أفضل لأولادي، وإذا بالأيام تدور لأجد الفكرة تتصاعد تدريجيا لتقترب من الواقع والحقيقة؛ ليس لي فقط وإنما للكثيرين الذين يبحثون عن بدائل للتعلم التقليدي حال انتشار وباء إنفلونزا الخنازير، فلا أجد في نفسي غير "سبحان الله فيما تدور الدوائر"!.
من المعروف أن تخفيض كثافة الفصول هدف عام لوزارات التعليم؛ وهدف خاص أثناء تفشي هذا الوباء، مما يجعل خيار التعليم المنزلي أحد الخيارات التي تسهم في حل جزئي للأزمة و- ربما - حل مستمر لمستوى التعليم المتدني الذي نشهده والذي تمثل زيادة الكثافة أحد أسبابه.. ولذا أعتقد أن خيار التعليم المنزلي ينبغي أن يوضع محل بحث لمزاياه وعيوبه وأيضا لإيجاد آليات للتطبيق والتفكير فيما سيعترضه من عوائق تحتاج دعما حكوميا وغير حكومي لحلها..
بدائل مبتكرة
"في باطن كل محنة منة"، يصدق هذا القول على حالات عدة منها حالات الاضطرار لمكوث الطلاب في المنزل وعدم الذهاب للمدارس، وقد نتساءل عن بدائل تعليمية غير تقليدية نلجأ إليها إذا اضطر أولادنا للمكوث في البيت دون مدارس وتعلم نظامي ومزايا كل من هذه البدائل.
هنا يقفز لأذهاننا الكثير من التجارب كالتعليم الإلكتروني؛ التعليم عبر الأسطوانات المدمجة؛ التعليم عبر الراديو والتلفزيون؛ إضافة للتدريس الخاص tutoring، وقد تندمج هذا الأشكال المختلفة معا أو يستخدم كل شخص أحدها دون الآخر تبعا للمتاح له وقدراته على التعاطي مع كل من هذه الوسائل.
ونحتاج أن نشير في هذه الصدد لوجوب تحقق آليات تنفيذ كل منها؛ فمن غير المعقول أن نشير بتعليم إلكتروني مثلا دون توفر البنية التحتية له أو قدرة الأطفال وذويهم على التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت؛ كما لا يمكننا الإشارة بالتعليم المنزلي دون أن يكون هناك باب لذلك في نظام الدولة التعليمي.. فإن كلا من هذه الأنظمة والطرق مزايا يمكن أن نستفيد بها أثناء الأزمة وبعد انتهائها شريطة أن نتأهل سريعا للتعاطي مع هذه الأزمة ونتحلى بالمرونة التي تكفل لنا تعلما متزايدا وتجريبا لما لم نألفه من قبل.
البداية
في الحقيقة فكرة التعليم المنزلي أحد القرارات التي تلقي بمزيد من المسئوليات على كاهل الأسرة ولأنه قرار شخصي محض فلا يمكن لأحد أن يشير عليك به - إلا نفسك – ولكنا يمكن نفكر معا في الاعتبارات المختلفة التي يجب علينا وضعها في الحسبان:
1- التزام الوقت: التعليم المنزلي يستنفد الكثير من الوقت يوميا، فعلى الأسرة القيام بالتجارب والمشروعات العلمية؛ وشرح الدروس كاملة؛ القيام بالرحلات التعليمية؛ وزيارة المتاحف والمعارض التي تدعم الأهداف التعليمية؛ وتحضير الأنشطة التعليمية من قبل الأسرة؛ وتحضير اختبارات لقياس تقدم الطفل في كل مادة تعليمية؛ والاهتمام بالأنشطة التعليمية المختلفة كالتربية الفنية والموسيقية والرياضية.
علما بأن المدرسة الحقيقية في أغلب الأحوال لا تقوم بالعملية التعليمية بهذه الطريقة ربما هذه إحدى المميزات لخيار التعليم المنزلي ألا وهي: إفساح الوقت للتعليم كما ينبغي أن يكون "دون ضغط وقت الحصة، ووقت الامتحان، كثافة الفصل، وغيره..
2- الاستعداد الشخصي والتعاون بين كل الوالدين: بالطبع لدى الأسرة القليل من الوقت الخاص وهو ما يستدعي مع هذا الخيار أن يكون للوالدين طريقة ما للترفيه عن أنفسهما؛ وقضاء وقت معا إضافة للتعاون بينهما في الكثير من المهام.
3- التكاليف المالية: التعليم المنزلي غالبا ما يمكن تنفيذه دون الكثير من التكاليف المالية إلا أن تدريس الوالدين يحتاج عدم العمل خارج المنزل وهو أحد الأمور التي تقلل بالطبع من ميزانية الأسرة.. خاصة إذا كانت المدارس تحصل أيضا مصاريفها كاملة دون مراعاة لأن الأسرة هي الفاعل الحقيقي في هذه الحالة.
4- النواحي الاجتماعية: من مزايا التعليم المنزلي إمكانية التحكم كثيرا في البيئة الاجتماعية التي يتعرض لها طفلك؛ إلا أنه في نفس الوقت يجب الانتباه لتوافر حياة اجتماعية صحية وهو ما يمكن تحقيقه من خلال الأنشطة اللاصفية أو الرياضة أو من خلال مجموعات الدعم التي تلجأ إليها الأسرة، وربما إحدى المنح داخل هذه المحنة "وباء الإنفلونزا" استحداث مفردات وآليات مجتمعية جديدة كمجموعات الدعم، والتدريس الشخصي بمفهوم جديد يقوم على تنمية المهارات المحددة للطفل وتدريبه على عادات استذكار جيدة بدلا من أن يكون تدريس لأجل درجات الامتحان!
5- تنظيم بيئة المنزل: ربما تبدأ الأسرة في تغيير نمط قيامها بالواجبات المنزلية بحيث لا تحتل الساعات المبكرة من النهار.. خاصة أن العمل المدرسي أيضا يسبب مزيدا من الفوضى كنواتج الأنشطة؛ جلسات الاستذكار والفنون والمشروعات التعليمية...
6- موافقة الطفل واستعداده: ربما يفرح الطفل لما يترافق مع المدرسة من واجبات، واستيقاظ مبكر، وشدة بعض المعلمين... إلا أن الطفل لابد أن يعرف جيدا أن هناك متطلبات ونظاما أيضا للدراسة بالمنزل تتطلب مزيدًا من النظام والالتزام لتحقق نتائج جيدة.
7- قدرة الوالدين على إدارة الأمور التعليمية: ربما يكون من الصعب على بعض الأسر أن يتولوا تعليم أولادهم؛ إلا أنه يمكن لأي أم وأب أن يتعلما بعض الفنيات التي تعينهم على الشرح لأبنائهم خاصة أن هناك العديد من البدائل التعليمية المعينة كالأسطوانات المضغوطة، الكتب الخارجية التي تطرح مزيدا من التدريبات، مواقع التعليم الإلكترونية؛ التدريس الشخصي في بعض الأحوال، القنوات التعليمية.. وهو ما سنفصل فيه لاحقا في هذا الملف.
ربما مما يعيننا في الكثير من البلدان العربية توحيد المنهج، فلن يقع على الأسرة مشقة اختيار منهج مناسب، وستظل المهمة الكبيرة في طرق التدريس واستجلاب مواد تعليمية معينة، ومراس في الوصول واستخدام البدائل – أو قل المكملات – التعليمية الأخرى التي ذكرناها., خاصة وإن استعنت بخبرات الآخرين في مجموعات الدعم سواء على الإنترنت أو المجموعات التي تكونها في مجتمعك القريب، وربما تلجأ لمدرس خاص للمواد الصعبة التي لا يمكنك شرحها، أو تتبادل الشرح مع جيران أو إخوة وأصدقاء حسب المواد التي يتقنها كل منكم.
التعليم المنزلي اختيار قديم
مما لا يعلمه الكثيرون أن نظام التعليم المنزلي نظام متعارف عليه ويطبق في بلدان كثيرة في العالم، وهو اختيار شخصي للأسرة وتختاره بمحض إرادتها لأسباب متعددة، علما بأن هذه الأسباب تمثل المزايا المكتسبة من نظام التعليم المنزلي فمنها مثلا:
- زيادة عدد الطلاب في الفصل الواحد مع بيئة صف فقيرة.
- إقحام بعض الموضوعات غير الملائمة لقيم الأسرة ودينها.
- بعد المدارس عن المنزل مما يحتم قضاء ساعات طويلة مرهقة في السيارات والتعرض للتلوث بكل أشكاله.
- الحصول على انتباه مفرد من الأم أو من يقوم بالتدريس المنزلي.
- الرغبة في قضاء وقت أطول مع الأبناء لإفساح الوقت لعملية التربية أثناء التدريس لهم.
- التعلم غير الحقيقي "تعلم مساق بنتائج الاختبارات" والتي لا تعني تعلما حقيقيا لأولادنا.
- مجافاة العلم للممارسات التربوية لأغلب المدارس بما يعني ضعفًا في التعليم.
- الرغبة في تعليم التفكير لأولادنا.
- الرغبة في مراعاة الفروق لأولادنا.
- إتاحة المجال لمن حظي بمواهب خارج الإطار الأكاديمي.
- إمكانية تنويع طرق التعلم.
- إفساح المجال لتعليم متوازن.
- علاج الضعف الأكاديمي المتراكم بإمكانية العودة للتدريب على ما فات أبناءنا من أعوام ماضية.
- عدم الالتزام بالمواد المقررة والتي لا نجد لها فعالية.
- نمو الثقافة التربوية والتعليمية "فالحاجة للممارسة ستفرض نوعا من التعلم للقيام بمهام التدريس والتعليم"، وما نأمله أن يزيد هذا فعليا من ثقافة مجتمعاتنا التربوية والتعليمية.
وأجدني أخيرا أحدث نفسي وأحدثكم بجملة طالما رددتها: "إن لم يكن ما تحب فحب ما يكون".. فلنتشارك البحث عن إجابات لهذه الأسئلة:
ما العوائق التي قد تعترضنا لتنفيذ البدائل التعليمية المطروحة بالمقال _ لنستعد لها؟
ما مزايا التعليم المنزلي التي يمكنك الحصول عليها؟ ماذا تحتاج لتصل لهذه المزايا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق